الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ***
روى ابن أبي شيبة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو بكر رضي الله عنه: أيها الناس، إن كان محمد إلهكم الذي تعبدونه، فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء، فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)، حتى ختم الآية. وللبخاري في تاريخه، عنه رضي الله، قال: لما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم، دخل أبو بكر رضي الله عنه عليه، فأكب عليه وقبل وجبهته، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا، وقال: من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله في السماء حي لا يموت. ولابن أبي شيبة، عن قيس بن أبي حازم، قال: لما قدم عمر رضي الله عنه الشام، استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: لو ركبت برذونا، يلقاك عظماء الناس ووجوههم. فقال عمر رضي الله عنه: ألا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا، فأشار بيده إلى السماء. قال الذهبي: إسناده كالشمس. وروى الزهري، عن سالم أن كعبا قال لعمر: ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه؟ فقال كعب: إلا من حاسب نفسه، فكبر عمر، ثم خر ساجدا. وعن عبد الرحمن بن غنم، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ويل لديان الأرض من ديان السماء يوم يلقونه، إلا من أمر بالعدل، فقضى بالحق، ولم يقض على هوى ولا على قرابة، ولا على رغبة ولا رهب، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه. قال ابن غنم: فحدثت بهذا عثمان ومعاوية ويزيد وعبد الملك. رواه أبو نعيم. وعن أبي يزيد المدني، قال: لقيت عمر امرأة، يقال لها خولة بنت ثعلبة، فقال عمر: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات. قال الذهبي: هذا إسناد صالح فيه انقطاع، أبو يزيد لم يلحق عمر رضي الله عنه. وفي لفظ: عن عمر رضي الله عنه أنه مر بعجوز، فاستوقفته فوقف يحدثها، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، حبست الناس على هذه العجوز. فقال،: ويلك، أتدري من هي؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة التي أنزل الله فيها: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها). وهذا الحديث رواه عثمان بن سعيد الدارمي، وقال ابن عبد البر: حدثنا من وجوه عن عمر رضي الله عنه فذكره. ومن شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: شهدت بأن وعد الله حق *** وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طاف *** وفوق العرش رب العالمينا وتحمله ملائكة كرام *** ملائكة الإله مسومينا. قال ابن عبد البر في الاستيعاب: رويناه من وجوه صحاح. وروى الدارمي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله تعالى فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه. وروى الأعمش، عن خيثمة، عنه: إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة، حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات، فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له، أدخلته النار. أخرجه اللالكائي بإسناد قوي، وعنه رضي الله عنه قال: إن تعالى يبرز لأهل جنته في كل جمعة + وكثب من كافور أبيض، فيحدث لهم من الكرامة ما لم يروا مثله، ويكونون من الدنو منه كمسارعتهم إلى الجمع. أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى بإسناد جيد. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: البحر المسجور يجري تحت العرش. وتقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: وينزل الله تعالى في ظل من الغمام من العرش إلى الكرسي. وعن أم سلمة رضي الله عنها- في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. قال الذهبي: هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي، ومالك الإمام، وأبي جعفر الترمذي، فأما عن أم سلمة فلا يصح؛ لأن أبا كنانة ليس بثقة، وأبو عمير لا أعرفه. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قالت الملائكة: يا ربنا، منا الملائكة المقربون، ومنا حملة العرش، ومنا الكرام الكاتبون. وذكر الحديث، قال الذهبي: إسناده صالح. وعن عائشة رضي الله عنها- قالت: وايم الله، إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته- يعني: عثمان رضي الله عنه، ولكن علم الله من فوق عرشه أني لم أحب قتله. رواه الدارمي. وعن أسماء بنت عميس أن جعفرا رضي الله عنه جاءها إذ هم بالحبشة يبكي، فقالت: ما شأنك؟ قال: رأيت فتى مترفا من الحبشة شابا جسيما، مر على امرأة، فطرح دقيقا كان معها، فنسفته الريح، فقالت: أكلك إلى يوم يجلس الملك على الكرسي، فيأخذ للمظلوم من الظالم. رواه ابن ماجة وغيره. وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: لما لعن الله إبليس وأخرجه من سماواته وأخزاه، قال: رب، أخزيتني ولعنتني وطردتني عن سماواتك وجوارك، فوعزتك لأغوين خلقك ما دامت الأرواح في أجسادهم، فأجابه الرب تبارك وتعالى فقال: وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي، لو أن عبدي أذنب حتى ملأ السماوات والأرض خطايا، ثم لم يبق من عمره إلا نفس واحد فندم على ذنوبه، لغفرتها، وبدلت سيئاته كلها حسنات. وقد روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان قال: وعزتك، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني، لا أزال أغفر ما استغفروني. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الكرسي الذي وسع السماوات والأرض لموضع قدميه، وما يقدر قدر العرش إلا الذي خلقه، وإن السماوات في خلق الرحمن عز وجل مثل قبة في صحراء. رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة. وللدارمي عنه رضي الله عنه أنه استأذن على عائشة رضي الله عنها- وهي تموت، فقال: كنت أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا، وأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجدا من مساجد الله تعالى يذكر فيها إلا وهو يتلى فيها آناء الليل وآناء النهار. وذكر الطبراني في شرح السنة، عن مجاهد قال: قيل لابن عباس: إن ناسا يكذبون بالقدر، قال: يكذبون بالكتاب، لئن أخذت شعر أحد لا ينبتونه، إن الله تعالى كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا، فخلق الخلق، وكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه. ولإسحاق بن راهويه، عن عكرمة في قوله تعالى: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يستطع أن يقول من فوقهم، علم أن الله تعالى من فوقهم. وليحيى بن سعيد الأموي، عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: خرجت مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر قصة طويلة، وقال فيها: فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم، ويزعمون أن إلههم في السماء، فأسلمت وتبعته. وأقوال الصحابة في هذا الباب وتفاسيرهم أكثر من أن تحضر، وفيما ذكرنا كفاية.
عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: قال الله عز وجل في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وفوق جميع خلقي، وأنا على عرشي أدبر أمور عبادي، ولا يخفى علي شيء في السماء ولا في الأرض. قال الذهبي: رواته ثقات. وعنه رحمه الله قال: إن الله تعالى خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، ثم جعل بين كل سماءين كما بين السماء الدنيا والأرض، وجعل كثفها مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه. وذكر الأثر. رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة، قال الذهبي: إسناده نظيف، وأبو صالح لينوه، وما هو بمتهم بل سيئ الإتقان. وعن مسروق رحمه الله تعالى أنه كان إذا حدث عن عائشة رضي الله عنهما قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة الله، المبرأة من فوق سبع سماوات. قال الذهبي: إسناده صحيح. ويروى عن عطاء بن يسار رحمه الله أن موسى عليه السلام قال: يا رب، من أهلك الذين هم أهلك، الذين تظلهم في ظل عرشك؟ قال: هم الذين يأوون إلى مساجدي، كما تأوي النسور إلى أوكارها. وعن عبيد بن عمير قال: ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى سماء الدنيا، فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل. أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في رده على الجهمية، وعن شريح بن عبيد الله أنه كان يقول: ارتفع إليك ثغاء التسبيح، وصعد إليك وقار التقديس، سبحانك ذا الجبروت، بيدك الملك والملكوت، والمفاتيح والمقادير. إسناده صحيح. وعن أبي قلابة رحمه الله تعالى قال: أهبط الله تعالى آدم. قال: يا آدم، إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يطاق حول عرشي، ويصلي عنده كما يصلي عند عرشي. وذكر الأثر. قال الذهبي: هو ثابت عن أبي قلابة. وعن عمرو بن ميمون قال: لما تعجل موسى إلى ربه، رأى في ظل العرش رجلا يغبطه، فسأل الله تعالى أن يخبره باسمه، فقال: لا، ولكني أحدثك بشيء من فعله، كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ولا يعق والديه، ولا يمشي بالنميمة. قال الذهبي: إسناده قوي. وعن مجاهد رحمه الله تعالى قال: ما أخذت السماوات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض الفلاة. وعنه رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: يجلسه أو يقعده على العرش. قال الذهبي: لهذا القول طرق خمسة. وأخرجه ابن جرير في تفسيره، وعمل فيه المروزي مصنفا. وعن نوف البكالي أن موسى عليه السلام لما سمع الكلام، قال: من أنت الذي يكلمني؟ قال: أنا ربك الأعلى. قال الذهبي: إسناده صحيح. وعنه قال: إني أجد في التوراة لو أن السماوات والأرض كن طبقا من حديد، فقال رجل لا إله إلا الله، لخرقتهن حتى تنتهى إلى الله عز وجل. رواه حماد بن سلمة. وعن أبي عيسى يحيى بن رافع رحمه الله تعالى أن ملكا لما استوى الرب على كرسيه، سجد، فلا يرفع رأسه حتى تقوم الساعة، فيقول: لم أعبدك حق عبادتك. وعن قتادة رحمه الله تعالى قال: قالت بنو إسرائيل: يا رب، أنت في السماء، ونحن في الأرض، فكيف لنا أن نعرف رضاك وغضبك؟ قال: إذا رضيت عنكم، استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم. قال الذهبي: هذا ثابت عن قتادة. وعن عكرمة رحمه الله تعالى قال: بينما رجل في الجنة اشتهى الزرع، فيقول للملائكة: ابذروا، فيخرج أمثال الجبال، فيقول الرب عز وجل من فوق عرشه: كل يا ابن آدم، فإن ابن آدم لا يشبع. قال الذهبي: إسناده ليس بذاك. وصح في السنة للالكائي، عن ثابت البناني قال: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة، ثم يرفع رأسه إلى السماء، ثم يقول: إليك رفعت رأسي نظر العبيد إلى أربابها، يا ساكن السماء. وفي الحلية بإسناد صحيح، عن مالك بن دينار أنه كان يقول: خذوا، فيقرأ ثم يقول: اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه. وعن مجاهد في قوله تعالى: (وقربناه نجيا) قال: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب، فلما رأى مكانه وسمع صريف القلم، قال: رب أرني أنظر إليك. هذا ثابت عن مجاهد إمام التفسير، أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات. وعن سفيان قال: كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فسأله رجل فقال: (الرحمن على العرش استوى)، كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. وعن حسان بن عطية قال: حملة العرش أقدامهم ثابتة في الأرض السابعة، ورءوسهم قد جاوزت السماء السابعة، وقرونهم مثل طولهم، عليها العرش. وذكر أيوب السختياني المعتزلة، وقال: إنما مدار القوم على أن يقولوا: ليس في السماء شيء. قال الذهبي: هذا إسناد كالشمس وضوحا، وكالإسطوانة ثبوتا عن سيد أهل البصرة وعالمهم- رحمه الله تعالى. وقرأ محيصين بن رفيق بن كثير بمكة (وفي السماء رزقكم وما توعدون)، وعن الضحاك في قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) قال: هو على عرشه، وعلمه معهم أينما كانوا. وفي لفظ: هو فوق العرش، + وعلمهم + معهم أينما كانوا. أخرجه العسال وابن بطة، وابن عبد البر بإسناد جيد. وعن سليمان التيمي رحمه الله تعالى قال: لو سألت أين الله؟ لقلت: في السماء. وعن حبيب بن أبي حبيب قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري، وخطبهم بواسط فقال: أيها الناس، ضحوا تقبل الله + ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه. قال الذهبي: والمعتزلة تقول هذا، وتحرف نص التنزيل في ذلك، وزعموا أن الرب منزه عن ذلك. وقال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في التمهيد: وعلماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم): هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به.
عن نوح الجامع قال: كنت عند أبي حنيفة أول ما ظهر جهم، إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما، فدخلت الكوفة فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف نفس، فقيل لها: إن ههنا رجلا نظر في المعقول، يقال له أبو حنيفة، فأتيه، فأتته فقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل، وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا: إن الله عز وجل في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله عز وجل: (وهو معكم)؟ قال: هو كما تكتب إلى الرجل أني معك، وأنت غائب عنه. رواه البيهقي، ثم قال: لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله فيما نفى عن الله عز وجل من الكون في الأرض، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع بأن الله تعالى في السماء، قلت: وإنما أراد بقوله هو كما تكتب إلى الرجل... إلخ نفى الحلول، إلا فربنا تبارك وتعالى سواء عنده الغيب والشهادة، والسر والعلانية. وعن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض. قال: إذا أنكر أنه في السماء أو في الأرض، فقال: قد كفر؛ لأن الله تعالى- يقول: (الرحمن على العرش استوى) وعرشه فوق سمواته، فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال: لا يدري العرش في السماء أو في الأرض. قال: إذا أنكر أنه في السماء، فقد كفر. رواه شيخ الإسلام الأنصاري في الفاروق، وروى المقدسي عنه رحمه الله تعالى أنه قال: من أنكر الله عز وجل في السماء، فقد كفر. وعن أبي جريج رحمه الله تعالى قال: كان عرشه على الماء قبل أن يخلق الخلق. وروى الحاكم، عن الأوزاعي رحمه الله تعالى قال: كنا والتابعون متوافرون، نقول: إن الله عز وجل فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة من صفاته. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات. وللثعلبي عنه في قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) قال: هو على عرشه كما وصف نفسه. وسئل رحمه الله تعالى عن أحاديث الصفات، فقال: أمرها كما جاءت. وعن مقاتل بن حيان في قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) قال: هو على عرشه، وعلمه معهم. رواه عبد الله بن أحمد في السنة. وللبيهقي عنه قال: بلغنا والله أعلم في قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن): هو الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والظاهر فوق كل شيء، والباطن أقرب من كل شيء، وإنما قربه بعلمه، وهو فوق عرشه. وعن سفيان الثوري في قوله: (وهو معكم أينما كنتم) قال: علمه. وقال في جميع أحاديث الصفات: أمروها كما جاءت. وعن الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى قال: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء. وسأله رجل فقال: يا أبا عبد الله، (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ فأطرق مالك، وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة، أخرجوه. وفي رواية قال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني أخاف أن تكون ضالا، وأمر به فأخرج. وقال سلام بن أبي مطيع: ويلكم، ما تنكرون هذا الأمر، والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن ما هو أثبت منه، قول الله تعالى: (إن الله سميع بصير _ ويحذركم الله نفسه _ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك- ثم استوى على العرش- والسماوات مطويات بيمينه- ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي- وكلم الله موسى تكليما- يا موسى إنني أنا الله)، فما زال في ذلك من العصر إلى المغرب. وصح عن ابن الماجشون أنه سئل عما جحدت به الجهمية، فقال: أما بعد، فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعته الجهمية في صفة الرب العظيم الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، فلم تجد العقول مساغا، فرجعت خاسئة حسيرة، وإنما أمروا بالنظر والتفكير فيما خلق، وإنما يقال كيف لما لم يكن مرة ثم كان، أما من لا يحول ولا يزول، ولم يزل وليس له مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو. وساق فصلا طويلا في هذا المعنى، وذكر جملة من نصوص الصفات- رحمه الله. وقال حماد بن زيد: إنما يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إله- يعني: الجهمية. رواه ابن أبي حاتم الرازي، وقال محمد بن إسحاق إمام أهل المغازي: كان الله تعالى كما وصف نفسه، إذ ليس إلا الماء عليه العرش، وعلى العرش ذو الجلال والإكرام، الظاهر في علوه علي خلقه، فليس شيء فوقه، الباطن لإحاطته بخلقه، فليس شيء دونه، الدائم الذي لا يبيد، وكان أول ما خلق النور والظلمة، ثم السماوات السبع من دخان، ثم دحا الأرض، ثم استوى إلى السماء فحبكهن وأكمل خلقهن في يومين، ففرغ من خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش.
روى ابن أبي حاتم، عن جرير بن عبد الحميد، قال: كلام الجهمية أوله عسل، وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله. وصح عن علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لعبد الله بن المبارك، كيف نعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض. فقيل: هذا لأحمد بن حنبل، فقال: هكذا هو عندنا. وعنه رضي الله عنه أن رجلا قال له: يا أبا عبد الرحمن، قد خفت الله من كثرة ما أدعو على الجهمية. قال: لا تخف، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء. رواه عبد الله بن أحمد. وقال نوح الجامع، وسأله رجل عن الله عز وجل في السماء هو؟ فحدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل الأمة أين الله؟ قالت: في السماء. قال: أعتقها، فإنها مؤمنة، ثم قال: سماها النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنة أن عرفت أن الله عز وجل في السماء. رواه عبد الله بن أحمد أيضا. وقال عباد بن العوام: كلمت بشرا المريسي وأصحابه، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء، أرى أن لا يناكحوا ولا يوارثوا. وثبت عن أبي يوسف رحمه الله قال: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن تتبع غريب الحديث كذب، وقد ضرب عليا الأحول وطوف به في شأن الكلام، وضرب آخر كان معه. وقال محمد بن الحسن: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير، ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر شيئا من ذلك، فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة؛ لأنه وصفه بصفة لا شيء. وكتب بشر المريسي- قبحه الله تعالى- إلى منصور بن عمار رحمه الله تعالى يسأله عن قوله: (الرحمن على العرش استوى)، كيف استوى؟ فكتب إليه استواؤه غير محدود، والجواب فيه تكلف، ومسألتك عن ذلك بدعة، والإيمان بجملة ذلك واجب، قال الله تعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله). وقيل ليزيد بن هارون: من الجهمي؟ قال: من زعم أن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) على خلاف ما يقر في قلوب العامة، فهو جهمي. رواه عبد الله بن أحمد. وقال سعيد بن عامر الضبعي، وذكر الجهمية، فقال: هم شر قولا من اليهود والنصارى، قد اجتمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله عز وجل على العرش، وقالوا هم: ليس على العرش. وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: حدثنا وكيع، عن إسرائيل بحديث: " إذا جلس الرب- جل جلاله- على الكرسي " فأقشعر رجل عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها. وقال مرة: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول كيف كذا؟ ولا لم كذا؟ وقال عبد الرحمن بن مهدي: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله تعالى كلم موسى، وأن يكون على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. وقال وهب بن جرير: إياكم ورأي جهم، فإنهم يحاولون أنه ليس شيء في السماء، وما هو إلا من وحي إبليس، ما هو إلا الكفر. وقال الأصمعي لما قدمت امرأة جهم، فقال رجل عندها: الله على عرشه، فقالت: محدود على محدود. قال الأصمعي: هي كافرة بهذه المقالة. وقال الخليل بن أحمد في قوله: (ثم استوى إلى السماء)، يقول: ارتفع. وقال الفراء صعد. وعن عبد الله بن أبي جعفر الرازي أنه ضرب رأس قرابة له، كان يرى رأي جهم، وكان يضرب بالنعل على رأسه، ويقول: لا، حتى تقول الرحمن على العرش استوى، بائن من خلقه.
روى الحافظ المقدسي، عن محمد بن إدريس الشافعي- رحمه الله تعالى: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما إقرار بشاهدة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء، وذكر سائر الاعتقاد. وقال عبد الله بن مسلمة القعنبي: من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة، فهو جهمي. وقال عاصم بن علي شيخ البخاري- رحمهما الله تعالى: ناظرت جهما، فتبين من كلامه أنه لا يؤمن أن في السماء ربا. وقال عبد الله بن الزبير الحميدي: نقف على ما وقف عليه القرآن والسنة، نقول: (الرحمن على العرش استوى)، ومن زعم غير ذلك فهو مبطل جهمي. وقال هشام بن عبيد الله الرازي، وحبس رجل في التجهم، فجيء به إليه ليمتحنه، فقال له: أتشهد أن الله على عرشه، بائن من خلقه؟ فقال: لا أدري ما بائن من خلقه. فقال: ردوه، فإنه لم يتب بعد. وقال محمد بن مصعب العابد: من زعم أنك لا تتكلم ولا ترى في الآخرة، فهو كافر بوجهك، أشهد أنك فوق العرش فوق سبع سماوات، ليس كما تقول أعداء الله الزنادقة. وقال أبو عمران الطرسوسي، قلت لسنيد بن داود: هو عز وجل على عرشه، بائن من خلقه؟ قال: نعم. وقال حماد بن نعيم في قوله: (وهو معكم) قال: معناه أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه، ألا ترى قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) الآية. وقال- رحمه الله تعالى: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها. وقال بشر الحافي: والإيمان بأن الله تعالى على عرشه، استوى كما شاء، وأنه عالم بكل ما كان، وأنه يقول ويخلق، فقوله كن ليس بمخلوق، ومن دعائه: اللهم إنك تعلم من فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف، اللهم إنك تعلم من فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى، اللهم إنك تعلم من فوق عرشك أني لا أؤثر على حبك شيئا. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في أحاديث الرؤية، والكرسي موضع القدمين، وضحك ربنا، وحديث أين كان ربنا، فقال: هذه أحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل لنا: كيف وضع قدمه؟ وكيف يضحك؟ قلنا: لا نفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره. وقال أحمد بن نصر، وسئل عن علم الله، فقال: علم الله معنا، وهو على عرشه. وقال مكي بن إبراهيم: دخلت امرأة جهم على زوجتي، فقالت: يا أم إبراهيم، هذا زوجك الذي يحدث عن العرش من نجره؟ قالت: نجره الذي نجر أسنانك. قال: وكانت بادية الأسنان. وقال قتيبة بن سعيد: قول الأئمة في الإسلام والسنة والجماعة: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه، كما قال جل جلاله: (الرحمن على العرش استوى). وقال أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي: آخر كلام الجهمية أنه ليس في السماء إله. وقال يحيى بن معين: إذا قال لك الجهمي: وكيف ينزل؟ فقل: كيف يصعد؟ قلت: الكيف في الحالين منفي عن الله تعالى، لا مجال للعقل فيه. وعن علي بن المديني أنه سئل ما قول أهل الجماعة؟ قال: يؤمنون بالرؤية وبالكلام، وأن الله عز وجل فوق السماوات على عرشه استوى. فسئل عن قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم)، فقال: اقرأ ما قبله: (ألم تر أن الله يعلم). وسئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل إمام أهل السنة: الله فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم، هو على عرشه، ولا يخلو شيء من علمه. وقيل له: ما معنى: (وهو معكم)؟ قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة. وقال حرب بن إسماعيل الكرماني: قلت لإسحاق بن راهويه قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم)، كيف تقول فيه؟ قال: حيث ما كنت، فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه، ثم ذكر عن ابن المبارك قوله: هو على عرشه بائن من خلقه، ثم قال: أعلى شيء في ذلك وأبينه قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى). رواه الخلال في السنة، وقال إسحاق بن راهويه: دخلت على ابن طاهر، فقال: ما هذه الأحاديث، يروون أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت: نعم، رواها الثقات الذين يروون الأحكام. فقال: ينزل ويدع عرشه؟ فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم. قلت: فلم تتكلم في هذا؟ وروى الخلال عنه قال: قال الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة. وقال رجل لابن الأعرابي- رحمه الله تعالى: يا أبا عبد الله، ما معنى قوله: (الرحمن على العرش استوى)؟ قال: هو على عرشه كما أخبر. فقال الرجل: ليس كذاك، إنما معناه استولى. فقال: اسكت، ما يدريك ما هذا؟ العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل استولى، والله تعالى لا مضاد له، وهو على عرشه كما أخبر، ثم قال: الاستيلاء بعد المغالبة، قال النابغة: إلا لمثلك أو ما أنت سابقه *** سبق الجواد إذا استولى على الأمد. وقال ذو النون المصري- رحمه الله: أشرق لنور وجهه السماوات، وأنار لوجهه الظلمات، وحجب جلاله عن العيون، وناجاه على عرشه ألسنة الصدور.
وقال المزني في عقيدته: الحمد لله أحق ما بدى، وأولى من شكر، وعليه أثني الواحد الصمد، ليس له صاحبة ولا ولد، جل عن المثل، فلا شبيه له ولا عديل، السميع البصير العليم الخبير المنيع الرفيع، عال على عرشه، فهو دان بعلمه من خلقه، والقرآن كلام الله ومن الله، ليس بمخلوق فيبيد، وقدرة الله ونعته وصفاته كلمات غير مخلوقات، دائمات أزليات، ليس محدثات فتبيد، ولا كان ربنا ناقصا فيزيد، جلت صفاته عن شبه المخلوقين، عال على عرشه، بائن من خلقه، وذكر ذلك المعتقد وقال: لا يصح لأحد توحيد حتى يعلم أن الله على عرشه بصفاته. قلت: مثل أي شيء؟ قال: سميع بصير عليم قدير. رواه ابن منده. وسئل محمد بن يحيى الذهلي رحمه الله تعالى عن حديث عبد الله بن معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليعلم العبد أن الله معه حيث كان، فقال: يريد أن الله علمه محيط بكل ما كان، والله على العرش. وقال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى في آخر الجامع الصحيح في كتاب الرد على الجهمية: باب قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء)، قال أبو العالية: استوى على عرشه: ارتفع. وقال مجاهد في استوى: علا على العرش. وقالت زينب أم المؤمنين رضي الله عنها: زوجني الله من فوق سبع سماوات. ثم إنه بوب رحمه الله تعالى على أكثر ما تنكره الجهمية من الصفات محتجا بالآيات والأحاديث. وقال أبو زرعة الرازي، وسئل عن تفسير (الرحمن على العرش استوى)، فغضب وقال: تفسيره كما تقرأ، هو على عرشه، وعلمه في كل مكان، من قال غير هذا، فعليه لعنة الله. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة- رحمهما الله تعالى- عن مذهب أهل السنة والجماعة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، حجازا وعراقا، ومصرا وشاما ويمنا، فكان من مذهبهم أن الله تبارك تعالى على عرشه، بائن من خلقه، كما وصف نفسه بلا كيف، أحاط بكل شيء علما. وقال محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم الرازي: ونعتقد أن الله عز وجل على عرشه، بائن من خلقه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. رواه أبو القاسم الطبري. وقال يحيى بن معاذ الرازي: إن الله على العرش، بائن من خلقه، أحاط بكل شيء علما، لا يشذ عن هذه المقالة إلا جهمي يمزج الله بخلقه. رواه صاحب الفاروق. وعن محمد بن أسلم الطوسي رحمه الله تعالى قال: قال لي عبد الله بن طاهر: بلغني أنك لا ترفع رأسك إلى السماء، فقلت: وهل أرجو الخير إلا ممن هو في السماء؟ رواه الحاكم في ترجمته. وقال عبد الوهاب الوراق: من زعم أن الله ههنا، فهو جهمي خبيث، إن الله عز وجل فوق العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة. وكتب حرب الكرماني إلى عبد الرحمن بن محمد الحنظلي: إن الجهمية أعداء الله، وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق، وأن الله لم يكلم موسى، ولا يرى في الآخرة، ولا يعرف لله مكان، وليس على العرش ولا كرسي، وهم كفار فاحذرهم. وقال عثمان بن سعيد الدارمي الإمام في كتاب النقض: قد اتفقت الكلمة بين المسلمين أن الله فوق عرشه فوق سمواته، يعلم ويسمع من فوق العرش، لا تخفى عليه خافية من خلقه، ولا يحجبهم عنه شيء. وقال أبو محمد بن قتيبة- رحمه الله تعالى: كيف يسوغ لأحد أن يقول إن الله- سبحانه- بكل مكان على الحلول فيه، مع قوله: (الرحمن على العرش)، ومع قوله: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، كيف يصعد إليه شيء هو معه؟ وكيف تعرج الملائكة والروح إليه وهو معه؟ قال: لو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرتهم، وما ركبت عليه ذواتهم من معرفة الخالق، لعلموا أن الله عز وجل هو العلي الأعلى، وأن الأيدي ترفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عجميها وعربيها تقول: إن الله في السماء ما تركت على فطرها. وقال أبو بكر بن عاصم الشيباني: جميع ما في كتابنا- كتاب السنة الكبير- من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم فنحن نؤمن بها؛ لصحتها وعدالة ناقليها، ويجب التسليم لها على ظاهرها، وترك تكلف الكلام في كفيتها، فذكر من ذلك النزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش. وقال أبو عيسى محمد بن سورة الترمذي رحمه الله في جامعه لما روى حديث أبي هريرة، وهو خبر منكر عند أهل الحديث " لو أنكم أدليتم بحبل إلى الأرض السفلى، لهبط على الله " فقال: قال أهل العلم: أراد لهبط على علم الله، وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه. وقال أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني في كتاب السنة من سننه: باب في الجهمية، وساق في ذلك حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله. وفي رواية: فإذا قالوا ذلك، فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، ثم ليتفل عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان. وذكر حديث الأوعال، وحديث جبير بن مطعم، وحديث أذن لي أن أحدث عن ملك، الحديث. وقد ترجم قبل ذلك وبعده على معتقدات أهل السنة، وما ورد فيها من الأحاديث رحمه الله تعالى كالرؤية والنزول، وطي السماوات والأرض، وتكلم الله عز وجل والشفاعة والبعث، وخلق الجنة والنار، وفتنة القبر وعذابه، والحوض والميزان، وغير ذلك. ورد على طوائف الجهمية والمرجئة، والخوارج والروافض، رحمه الله تعالى. وقال ابن ماجه رحمه الله تعالى في سننه: باب ما أنكرت الجهمية، فساق حديث الرؤية، وحديث أبي رزين، وحديث جابر: بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، الحديث تقدم، وحديث الأوعال وغيرها. وكذلك مسلم في صحيحه، والنسائي في سننه، وغيرهم من أهل السنن ساقوا أحاديث الصفات، وأمروها كما جاءت، لم يتعرضوا لها بكيف ولا تأويل. وقال ابن أبي شيبة- رحمه الله تعالى: ذكروا أن الجهمية يقولون: ليس بين الله وبين خلقه حجاب، وأنكروا العرش وأن الله فوقه، وقالوا: إنه في كل مكان، ففسرت العلماء (وهو معكم) يعني علمه، ثم تواترت الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه، فهو فوق العرش متخلصا من خلقه، بائنا منهم. وقال سهل بن عبد الله التستري- رحمه الله تعالى: لا يجوز لمؤمن أن يقول كيف الاستواء لمن خلق الاستواء؟ ولنا عليه الرضا والتسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنه تعالى على العرش. قال: وإنما سمي الزنديق زنديقا؛ لأنه وزن دق الكلام بمخبول عقله، وترك الأثر وتأول القرآن بالهوى، فعند ذلك لم يؤمن بأن الله تعالى على عرشه. طبقة أخرى. قال زكريا بن يحيى الساجي- رحمه الله: القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم إن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وساق سائر الاعتقاد. وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري إمام المفسرين رحمه الله في عقيدته: وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز ذلك، فقد خاب وخسر، ونقل في تفسير (ثم استوى على العرش) في المواضع كلها: أي علا وارتفع، وتفسيره مشحون بأقوال السلف على الإثبات. وقال حماد بن هناد البوشنجي: هذا ما رأينا عليه أهل الأمصار، وما دلت عليه مذاهبهم فيه، وإيضاح منهاج العلماء وصفة السنة وأهلها، إن الله فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وسلطانه وقدرته بكل مكان. وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة: من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سمواته، بائن من خلقه، فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على مزبلة؛ لئلا يتأذى برائحته أهل القبلة وأهل الذمة. وقال أبو العباس بن سريج: قد صح عن جميع أهل الديانة والسنة إلى زماننا أن جميع الآي والأخبار الصادقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلمين الإيمان بكل واحد منها كما ورد، وأن السؤال عن معانيها بدعة، والجواب كفر وزندقة، مثل قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام)، وقوله: (الرحمن على العرش استوى)، وذكر الاعتقاد. وقال ثعلب إمام العربية (على العرش استوى): علا. وقال أبو جعفر الترمذي، وسأله سائل عن حديث نزول الرب، فالنزول كيف هو يبقى فوقه علو؟ فقال: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وقال الطحاوي الإمام في عقيدته: والعرش والكرسي حق، كما بين في كتابه، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه. وقال أبو الحسن الأشعري في ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث: وأن الله على عرشه كما قال تعالى: (الرحمن على العرش استوى)، قال: ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله على العرش، لم يرفعوا أيديهم نحو العرش. وقال أبو محمد البربهاري- رحمه الله تعالى: الكلام في الرب محدثة وبدعة وضلالة، فلا يتكلم في الله إلا بما وصف به نفسه، ولا نقول في صفاته لم ولا كيف، يعلم السر وأخفى، وعلى عرشه استوى، وعلمه بكل مكان.
قال أبو أحمد العسال في باب تفسير قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)، فساق ما ورد فيه من أقوال السلف وأئمتهم وحديث ابن مسعود، وقد مر. وقال أبو بكر الصبغي في قوله تعالى: (من في السماء) أي من على العرش كما صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة: باب ما جاء في استواء الله على عرشه بائنا من خلقه، فساق في الباب حديث أبي رزين العقيلي، وحديث الأوعال وغيرهما من أحاديث العلو. وقال أبو بكر الآجري: الذي يذهب إليه أهل العلم أن الله تعالى على عرشه فوق سمواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط بجميع ما خلق في السماوات العلى، وبجميع ما خلق في سبع أرضين، يرفع إليه أعمال العباد. وقال أبو الشيخ في كتاب العظمة له: ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم خلقهما، وعلو الرب فوق عرشه، وساق جملة أحاديث في ذلك. وقال أبو بكر الإسماعيلي: استوى على العرش بلا كيف، فإنه انتهى إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه. وقال الأستاذ أبو منصور الأزهري: الله تعالى على العرش. وقال أبو الحسن بن مهدي رحمه الله في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى): اعلم أن الله تعالى في السماء فوق كل شيء، مستو على العرش بمعنى أنه عال عليه، ومعنى الاستواء الاعتلاء. وإنما أمرنا الله تعالى برفع أيدينا قاصدين إليه برفعها نحو العرش الذي هو مستو عليه. وقال ابن بطة- رحمه الله: باب الإيمان بأن الله تعالى على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه محيط بخلقه، أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أن الله على عرشه فوق سماواته، بائن من خلقه. وقال الدارقطني- رحمه الله تعالى: حديث الشفاعة في أحمد *** إلى أحمد المصطفى نسنده وأما حديث بإقعاده *** على العرش أيضا فلا نجحده أمروا الحديث على وجهه *** ولا تدخلوا فيما يفسده. وقال ابن منده- رحمه الله تعالى: فهو تعالى موصوف غير مجهول، وموجود غير مدرك، ومرئي غير محاط به لقربه كأنك تراه، وهو يسمع ويرى، وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى، فالقلوب تعرفه، والعقول لا تكيفه، وهو بكل شيء محيط. وقال محمد بن أبي زيد المغربي: وأنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته، وأنه في كل مكان بعلمه. قلت: وقد أطلق هذه العبارة أعني قوله " بذاته " أبو جعفر بن أبي شيبة، والدارمي، ويحيى بن عمار، وأبو نصر السجزي، وابن عبد البر، وشيخ الإسلام الأنصاري، وأبو الحسن الكرجي، وأحمد بن ثابت الطرقي، وعبد العزيز القحيطي، وعبد القادر الجبلي، وطائفة. وقال ابن فورك- رحمه الله: استوى بمعنى علا، وقال في قوله (أأمنتم من في السماء): أي من فوق السماء. وقال ابن الباقلاني في إبانته: فإن قيل: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه، فقال تعالى: (الرحمن على العرش استوى)، وقال: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، وقال: (أأمنتم من في السماء)... إلى آخر كلامه. وقال أبو أحمد القصاب في عقيدته: كان ربنا عز وجل وحده لا شيء معه، ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، فاستوى عليه استواء استقرار كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق. قلت: تفسير الاستواء بالاستقرار لم يرد في الكتاب ولا السنة، ونحن لا نصف الله إلا بما ثبت في الكتاب والسنة، لا نزيد عليه ولا ننقص منه. وقال الحافظ أبو نعيم- رحمه الله تعالى: طريقنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومما اعتقدوه أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة، لا يزول ولا يحول، لم يزل عالما بعلم، بصيرا ببصر، سميعا بسمع، متكلما بكلام... إلى أن قال: وأن الأحاديث التي ثبتت في العرش واستواء الله عليه يقولون بها، ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل، وأن الله بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه. وقال معمر بن زياد في أثناء وصيته: وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه، ولا تمثيل ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، وذكر سائر الاعتقاد. وقال أبو القاسم اللالكائي في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى): وأن الله على عرشه، قال الله عز وجل: (إليه يصعد الكلم الطيب)، وقال: (أأمنتم من في السماء)، وقال: (وهو القاهر فوق عباده)، فدلت هذه الآيات أنه في السماء، وعلمه في كل مكان. روي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأم سلمة، ومن التابعين: ربيعة، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان، وبه قال مالك، والثوري، وأحمد. وقال يحيى بن عمار: هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، وعلمه وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء، وذلك معنى قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم)، فهذا الذي قلناه كما قال الله تعالى، وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت: لفظة " بذاته " مستغنى عنها بصريح النصوص الكافية الوافية. وقال القادر بالله أمير المؤمنين في معتقده المشهور: وأنه خلق العرش لا لحاجة، واستوى عليه كيف شاء لا استواء راحة، وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز. وقال أبو عمرو الطلمنكي- رحمه الله تعالى: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم)، ونحو ذلك من القرآن أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السماوات بذاته، مستو على عرشه كما نطق به كتابه، وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف لم يختلفوا أن الله على عرشه فوق سماواته. وقال أبو نصر السجزي: أئمتنا كسفيان الثوري، ومالك وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة، والفضيل وابن المبارك، وأحمد وإسحاق، متفقون على أن الله- سبحانه- بذاته فوق العرش، وعلمه بكل مكان. وقال أبو عمرو الداني في أرجوزته التي في عقود الديانة: كلامه وقوله قديم *** وهو فوق عرشه العظيم. وقال أبو عمر بن عبد البر في شرح حديث النزول: هذا حديث صحيح لم يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل أن الله تعالى في السماء على العرش، فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة. وقال أيضا: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم): هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله. وقال أبو يعلى رحمه الله بعد أن ذكر حديث الجارية: الكلام في هذا الخبر في فصلين: أحدهما: جواز السؤال عن الله- سبحانه- بأين هو؟ والثاني: جواز الإخبار عنه بأنه في السماء. وقد أخبرنا تعالى بأنه في السماء، فقال: (أأمنتم من في السماء) وهو على العرش. وقال أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتاب المعتقد له: باب القول في الاستواء، قال الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)، وقال: (ثم استوى على العرش)، (وهو القاهر فوق عباده)، (يخافون ربهم من فوقهم)، (إليه يصعد الكلم الطيب)، (أأمنتم من في السماء)، وأراد من فوق السماء كما قال تعالى: (في جذوع النخل)، وقال: (فسيحوا في الأرض) أي على الأرض، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، فمعنى الآية: أأمنتم من على العرش كما صرح به في سائر الآيات.
قال أبو الفتح نصر المقدسي: وأن الله مستو على عرشه، بائن من خلقه، كما قال في كتابه. وقال شيخ الإسلام الأنصاري، صاحب منازل السائرين في التصوف، قال في كتاب له: باب استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة، فساق الحجة من الآيات والأحاديث إلى أن قال: وفي أخبار شتى أن الله- سبحانه وتعالى- في السماء السابعة على العرش بنفسه، وهو ينظر كيف تعملون، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان. وقال البغوي رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: (ثم استوى على العرش): قال الكلبي ومقاتل: استقر، وقال أبو عبيدة: صعد، وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، فأما أهل السنة فإنهم يقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف، يجب على الرجل الإيمان به، ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل، ثم ذكر قول مالك المتقدم، وقال: وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي، والليث بن سعد وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك وغيرهم، من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهات: أمروها كما جاءت بلا كيف. وقال أبو الحسن الكرجي في بائيته: عقائدهم أن الإله بذاته *** على عرشه مع علمه بالغوائب وأن استواء الرب يعقل كونه *** ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب. وقال الشيخ عبد القادر الجيلي رحمه الله تعالى في كتاب الغنية: أما معرفة الصانع بالآيات والدلائل على وجه الاختصار فهو أن يعرف ويتيقن أن الله واحد أحد... إلى أن قال: وهو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط بالأشياء، إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش، كما قال: (الرحمن على العرش استوى)، وينبغي إطلاق ذلك من غير تأويل، وكونه تعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف. وقال أبو عبد الله القرطبي: وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم- لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أن استواءه على عرشه حقيقة، وخص عرشه بذلك؛ لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا يعلم حقيقة كيفيته. قلت: أراد بالجهة إثبات العلو لله تعالى، أما لفظ الجهة فلم يرد في الكتاب ولا السنة، ولا يلزم من إثبات العلو إثباتها؛ لأن العرش سقف جميع المخلوقات، فما فوقه لا يسمى جهة، ولو سلمنا أنه يلزم من إثبات العلو إثبات الجهة، فلازم الحق حق، فما استلزمه صريح الآيات والأحاديث، فهو حق بلا خلاف عند أهل السنة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية بعد سرد الآيات والأحاديث في الصفات: فصل، وقد دخل فيما ذكرنا من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر به في كتابه، وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه- سبحانه- فوق سماواته على عرشه، علي على خلقه، وهو- سبحانه- معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله تعالى: (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير)، وليس معنى قوله: (وهو معكم) أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله، من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، والله- سبحانه- فوق العرش، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته، وكل هذا الكلام الذي ذكر الله تعالى من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، مثل أن يظن أن ظاهر قوله (في السماء) أن السماء تقله أو تظله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان، فإن الله تعالى قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ا هـ. ومصنفات هذا الإمام وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله تعالى- في الانتصار لمعتقد أهل السنة والجماعة قد طبقت المشارق والمغارب، ولو ذهبنا نذكر أقوال أهل العلم والدين من السلف والخلف، لاحتجنا إلى عدة أسفار بل إلى عدة أحمال، وفيما ذكرناه كفاية. ونحن نشهد الله تعالى وحملة عرشه وجميع ملائكته وأنبياءه ورسله وجميع خلقه أنا نثبت لربنا عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه، وأثبته رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه أهل السنة والجماعة، سلفا وخلفا ممن ذكرنا وممن لم نذكر، من أن ربنا وإلهنا فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، وهو يعلم ما هم عليه، لا يخفى عليه منهم خافية، واستواؤه على عرشه كما أخبر، وعلى الوجه الذي عناه وأراده كما يليق بجلال ربنا وعظمته، لا تتكلف لذلك تأويلا ولا تكييفا، بل نقول آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نطلب إماما غير الكتاب والسنة، ولا نتخطاهما إلى غيرهما، ولا نتجاوز ما جاء فيهما، فننطق بما نطقا به، ونسكت عما سكتا عنه، ونسير سيرهما حيث سارا، ونقف معهما حيث وقفا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومع ذا مطلع إليهمو *** بعلمه مهيمن عليهم وذكره للقرب والمعية *** لم ينف للعلو والفوقية فإنه العلي في دنوه *** وهو القريب جل في علوه. (ومع ذا) الاتصاف بالعلو والاستواء على العرش والمباينة منه لخلقه تبارك وتعالى، فهو (مطلع)- سبحانه وتعالى- (إليهمو) الواو للإشباع (بعلمه) المحيط بجميع المعلومات، لا تخفى عليه منهم خافية، كما جمع تبارك وتعالى بين ذلك في قوله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى)، (طه 5- 7)، فجمع تعالى بين استوائه على عرشه، وبين علمه السر وأخفى، وكذلك جمع عز وجل بينهما في قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)، (الحديد 3)، وهو الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء، هكذا فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم، وكذلك جمع تعالى بينهما في الآية التي تليها، فقال عز وجل: (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) (الحديد 4)، وكذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذين المعنيين في حديث الأوعال، إذ يقول: والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه. وغير ذلك من الآيات والأحاديث، وهو إجماع المؤمنين. (مهيمن) رقيب (عليهمو) بواو الإشباع (وذكره) تبارك وتعالى (للقرب) في قوله عز وجل: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، (البقرة 186)، وقوله تعالى: (إنه سميع قريب)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الصحيحين: إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته. وكذلك ذكره (المعية) العامة في قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا)، (المجادلة 7)، وقوله عز وجل: (وهو معكم أينما كنتم)، (الحديد 4)، وكذا المعية الخاصة في قوله عز وجل: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، (النحل 128)، وقوله: (واصبروا إن الله مع الصابرين)، (الأنفال 46)، وقوله لموسى وهارون: (إنني معكما أسمع وأرى)، (طه 46)، وقوله في قصة نبينا صلى الله عليه وسلم مع الصديق رضي الله عنه: (إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)، (التوبة 40)، كل ذلك لم (ينف العلو) المذكور في النصوص السابقة من الكتاب والسنة، وإجماع الأمة من أنه تعالى مستو على عرشه، بائن من خلقه، (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، (تعرج الملائكة والروح إليه)، (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض)، (والفوقية) عطف على العلو وهو رديفه في المعنى، أي ولم ينف قوله عز وجل: (وهو القاهر فوق عباده)، (الأنعام 18)، وقوله: (يخافون ربهم من فوقهم)، (النحل 50)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه. بل كل ذلك حق على حقيقته، ولا منافاة بين قربه عز وجل وبين علوه (فإنه) هو (العلي) المتصف بجمع معاني العلو ذاتا وقهرا وشأنا (في دنوه) فيدنو تعالى من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا في آخر كل ليلة، وعشية عرفة، وغير ذلك كيف شاء، ويأتي لفصل القضاء بين عباده كيف شاء، وليس ذلك منافيا لفوقيته فوق عباده، واستوائه على عرشه، فإنه ليس كمثله شيء في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله، ومعيته العامة في قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم) معناها إحاطته بهم علما وقدرة، كما يدل عليه أول السياق وآخره، وهو إجماع الصحابة والتابعين، كما تقدم نقل إجماعهم على ذلك. وأما معيته الخاصة لأحبابه وأوليائه فتلك غير المعية العامة، فهو معهم بالإعانة والرعاية، والكفاية والنصر، والتأييد والهداية، والتوفيق والتسديد، وغير ذلك مما تجفو عبارة المخلوق عنه، ويقصر تعريفه دونه، وكفاك قول الله عز وجل فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وفي بعض الروايات: وقلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به. وليس معنى ذلك أن يكون جوارح للعبد، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإنما المراد أن من اجتهد بالتقرب إلى الله عز وجل بالفرائض ثم بالنوافل قربه إليه، ورقاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته، وعظمته وخوفه، ومهابته وإجلاله، والأنس به والشوق إليه، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهدا له بعين البصيرة، وإلى هذا المعنى أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: أحبوا الله من كل قلوبكم. فمتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى، محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا لما يريد منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع به، وإن نظر نظر به، وإن بطش بطش به، فهذا هو المراد بقوله- عز وجل: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. ومن أشار إلى غير هذا، فإنما يشير إلى الإلحاد من الحلول والاتحاد، والله ورسوله بريئان منه. (وهو القريب جل في علوه) فهو- سبحانه وتعالى- مستو على عرشه، عال على جميع خلقه، وهو قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه، ويعلم سره ونجواه، وهو أقرب إلى داعيه من عنق راحلته، ويعلم ما توسوس به نفس الإنسان، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، فإن الذي عند عنق راحلته، أو عند حبل وريده لا يعلم ما خفي عليه من كلامه، والله عز وجل على عرشه، ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو مع خلقه بعلمه وقدرته، لا تخفى عليه منهم خافية، وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، فهو على كل شيء شهيد، وبكل شيء محيط، فهو- سبحانه- القريب في علوه، العلي في دنوه، وهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم. حي وقيوم فلا ينام *** وجل أن يشبهه الأنام لا تبلغ الأوهام كنه ذاته *** ولا يكيف الحجا صفاته. (حي) لا يموت، كما قال تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت)، (الفرقان 58)، وقال تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين)، فهو الحي الذي لم تسبق حياته بالعدم، ولم تعقب بالفناء، هو الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت والجن والإنس يموتون. (وقيوم) فهو القيوم بنفسه، القيم لغيره، فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غني عنها، ولا قوام لها إلا به، ولا قوام لها بدون أمره، كما قال تعالى: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره)، وهو القائم على كل شيء، والقائم بجميع أمور عباده، والقائم على كل نفس بما كسبت. وفي الصحيحين من دعائه صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض. الحديث. وقد جمع تعالى بين هذين الاسمين " الحي القيوم " في ثلاثة مواضع من كتابه: الأول: آية الكرسي من سورة البقرة (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم)، (البقرة 255). الثاني: أول سورة آل عمران (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، (آل عمران 1- 2). الثالث: في سورة طه (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما)، (طه 111)، وروى ابن مردويه، عن أبي أمامة مرفوعا قال: اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور: سورة البقرة، وآل عمران، وطه. (فلا ينام) أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، فإن ذلك نقص في حياته وقيوميته، ولهذا أردف هذين الاسمين بنفي السنة والنوم، فقال: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم)، (البقرة 255)، أي لا تغلبه سنة وهو الوسن والنعاس ولا نوم، ونفيه من باب أولى؛ لأنه أقوى من السنة، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، شهيد على كل شيء، ولا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية. وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات، فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور أو النار، لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. (وجل) عن (أن يشبهه الأنام) في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله؛ لأن الصفات تابعة لموصوفها، فكما أن ذاته لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقات، ولو اهتدى المتكلمون لهذا المعنى الذي هدى الله إليه أهل السنة والجماعة، لما نفوا عن الله ما وصف به نفسه، ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما عطلوه عن صفات كماله ونعوت جلاله فرارا بزعمهم من التشبيه، فوقعوا في أعظم من ذلك، ولزمهم أضداد ما نفوه من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وسبب ضلالهم أنهم تقدموا بين يدي الله ورسوله، واتهموا الوحيين فيما نطقا به، ووزنوهما بعقولهم السخيفة وأذهانهم البعيدة، وقوانينهم الفاسدة التي هي ليست من الله في شيء، ولا من علوم الإسلام في ظل ولا فيء، وإنما هي أوضاع مختلفة، أدخلها الأعادي على أهل الإسلام؛ لقصد إظهار الفساد، ولغرس شجرة الإلحاد، المثمرة تعطيل الباري عز وجل عن صفات كماله وعلوه واعتقاد الحلول والاتحاد. جاءوا بها في قالب التنزيه *** لله كي يغوون كل سفيه قالوا صفات كماله منفية *** عنه مخافة موجب التشبيه تعطيلهم سموه تنزيها له *** ليروجوا فاعجب لذا التمويه والوحي قالوا نصه لا يوجب *** العلم اليقين فأي دين فيه ما الدين إلا ما عن اليونان قد *** جئنا به طوبى لمن يحويه نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم *** وبقوا حيارى في ضلال التيه. فسموا النور الذي أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم تفصيل كل شيء، وتبيانا لكل شيء، ولم يفرط فيه من شيء، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم من جوامع كلمه التي اختصه الله بها، فسموا ذلك كله " آحادا ظنية لا تفيد اليقين "، وسموا زخارف أذهانهم ووساوس شيطانهم " قواطع عقلية "، لا والله ما هي إلا خيالات وهمية ووساوس شيطانية، هي من الدين بريئة وعن الحق أجنبية، توجب الحيرة وتعقب الحسرة، كثيرة المباني قليلة المعاني، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، ويا ليته إذا جاءه لم يجده شيئا، لكن وجده السم النقيع، والداء العضال، فخاخ هلكة نصبها الأعداء؛ لاصطياد الأغبياء، وخدعة ماكر في صورة ناصح، فعل عدو الله اللعين في قصته مع الأبوين- عليهما السلام- في دلالتهما على الشجرة التي نهاهما ربهما عنها (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور)، (الأعراف 21- 22)... إلى آخر الآيات. وكذلك كتب الكلام والمنطق اليوناني، أدخله الأعداء علينا وسموه علم التوحيد تلبيسا وتمويها، وما هو إلا سلم الإلحاد والزندقة، وجحدوا صفات الباري عز وجل، وسموا ذلك تنزيها؛ ليغروا الجهال بذلك، وإنما هو محض التعطيل، وسموا أولياء المؤمنين الذين عرفوه بأسمائه وصفاته مشبهة؛ لينفروا الناس عنهم مكرا وخديعة، فأصبح المغرور بقولهم المخدوع بمكرهم حائرا مخذولا؛ لأنهم لما عزلوا كتاب الله عن البيان، وحكموا عقولهم السخيفة في نصوص صفات الديان، لم يفهموا منها إلا ما يقوم بالمخلوق من الجوارح والأدوات التي منحه الله إياها، ومتى شاء سلبه، ولم ينظروا المتصف بها من هو، فلذلك نفوها عن الله عز وجل لئلا يلزم من إثباتها التشبيه، فشبهوا أولا وعطلوا ثانيا، فلما نفوا عن الله صفات كماله، لزمهم إثبات ضدها وهو النقائص، فمن نفى عن الله كونه سميعا بصيرا، فقد شبهه بما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا، وكذلك سائر الصفات، وماذا عليهم لو أثبتوا لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم كما شاء الله- تعالى- وعلى الوجه الذي أراد، فجميع صفاته صفات كمال وجلال، تليق بعظمة ذاته، ونفيها ضد ذلك، ولا يلزم من اتفاق التسمية اتفاق المسميات، فإن الله تعالى قد سمى نفسه سميعا بصيرا، وأخبرنا أنه جعل الإنسان سميعا بصيرا، وسمى نفسه الرءوف الرحيم، وأخبر أن نبيه صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، وسمى نفسه الملك، فقال: (مالك يوم الدين- ملك الناس)، وسمى بعض خلقه ملكا، فقال: (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي)، (يوسف 54) وهو العزيز، وسمى بعض عباده عزيزا وغير ذلك، فلا يلزم من اتفاق التسمية اتفاق الأسماء ومقتضياتها، فليس السمع كالسمع، ولا البصر كالبصر، ولا الرأفة كالرأفة، ولا الرحمة كالرحمة، ولا العزة كالعزة، كما أنه ليس المخلوق كالخالق، ولا المحدث الكائن بعد أن لم يكن كالأول الآخر الظاهر الباطن، وليس الفقير العاجز عن القيام بنفسه، كالحي القيوم الغني عما سواه وكل ما سواه فقير إليه، فصفات الخالق الحي القيوم قائمة به لائقة بجلاله، أزلية بأزليته دائمة بديموميته، لم يزل متصفا بها ولا يزال كذلك، لم تسبق بضد ولم تعقب به، بل له تعالى الكمال المطلق أولا وأبدا، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، (الشورى 42)، فمن شبه الله تعالى بخلقه، فقد كفر، ومن نفى عنه ما وصف به نفسه، فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه. (لا تبلغ الأوهام كنه ذاته) أي نهاية حقيقتها، كما قال تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما)، (طه 20)، وقال تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء)، (البقرة 255)، وإنما نعرفه تعالى بما وصف به نفسه في كتبه المنزلة على رسله بأنه أحد صمد (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، (الإخلاص 3- 4)، (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم)، (البقرة 255)... إلى آخر الآية، (هو الله الذي الله لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم)، (الحشر 22)، (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون)، (الحشر 23)، (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)، (الحشر 24)، (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) (الحديد 3)، إلى غير ذلك من آيات الأسماء والصفات. (ولا يكيف الحجا) أي العقل (صفاته)؛ لأنه لا يعلم كيف هو إلا هو، فالواجب علينا أيها العبيد الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وإمرارها كما جاءت واعتقاد أنها حق، كما أخبر الله عز وجل وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وعدم التكييف والتمثيل؛ لأن الله عز وجل أخبرنا بأسمائه وصفاته وأفعاله ولم يبين كيفيتها، فنصدق الخبر ونؤمن به، ونكل الكيفية إلى الله عز وجل -. فصفات ذاته تعالى من الحياة والعلم، والسمع والبصر، والقدرة والإرادة وغيرها، وكذلك صفات أفعاله من الاستواء على العرش، والنزول إلى سماء الدنيا، والمجيء لفصل القضاء بين عباده، وغير ذلك كلها حق على حقيقتها، علمنا اتصافه تعالى بها بما علمنا في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وغاب عن جميع المخلوقين كيفيتها، ولم يحيطوا بها علما، كما قالت أم سلمة رضي الله عنها- وربيعة الرأي، ومالك بن أنس، وغيرهم- رحمهم الله تعالى: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق والتسليم. وكذلك القول في جميع صفاته عز وجل، وإنا والله لكالون حائرون في كيفية سراية الدم في أعضائنا، وجريان الطعام والشراب فينا، وكيف يدبر الله تعالى قوت كل عضو فيه بحسب حاجته، وفي استقرار الروح التي هي بين جنبينا، وكيف يتوفاها الله في منامها، وتعرج إلى حيث شاء الله عز وجل ويردها إذا شاء، وكيفية إقعاد الميت في القبر، وعذابه ونعيمه، وكيفية قيام الأموات من القبور حفاة عراة غرلا، وكيفية الملائكة وعظم خلقهم، فكيف العرش الذي لا يقدر قدره إلا الله عز وجل، كل ذلك نجهل كيفيته ونحن مؤمنون به، كما أخبرنا الله عز وجل عنه على ألسنة رسله- عليهم الصلاة والسلام- إيمانا بالغيب، وإن لم نعلم الكيفية، فكيف بالخالق عز وجل وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون، آمنا به كل من عند ربنا، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.
|